logo
الأرشيف السوري
logo
الأرشيف السوري

BLOG

في اليوم العالمي للأرشفة.. الأرشيف بوصفه ذاكرة أمة وشاهد على أحداثها

اطبع المقال

يصنع التاريخ بالوثائق، فبدونها لا يمكن الإجابة على الأسئلة الملحّة الدائمة حول ماذا حدث، دون الدخول في حيّز الشك من جهة، وتباين السرديات المختلفة من جهة أخرى.

مرّ التطور الحضاري للإنسانية بمراحل طويلة غاب جزء منها، لكن محاولات الأرشفة التقليدية، ساهمت بشكل كبير في تقديم وثائق يمكن البناء عليها في محاولة لفهم الأجزاء المفقودة. من هنا بدأ الإنسان منذ عصور بإدراك ضرورة توثيق ما يحدث، عبر الرقم الطينية أو أوراق البردي، واتخذ احتياطات لحفظ هذا التاريخ من حيث اختيار الأماكن الأكثر مقاومة للفقد، والملاط الأكثر مقاومة للتلف والضياع، قبل أن تبدأ المرحلة الورقية والتي مكّنت من إيجاد نسخ متعددة والاحتفاظ بها في مكتبات عامة أو شخصية، وكانت الوثائق بنوعيها تُعامل بحرص حالها حال الكنوز والمواد النفيسة.

ومن هنا، كان لا بدّ لكل حضارة، متمثلة بتقسيماتها من دول و ولايات وبلدات، إيجاد أرشيف يضم المعلومات كافة، من وثائق تسهل حماية ممتلكات الأشخاص، وجودهم، وهويتهم، كذلك منتجهم الفكري والعلمي. وصنّفت داخل هذه الأراشيف ما كان من تأريخ للأحداث واكتشافات علمية واجتماعية، مكّنت، فيما بعد، الباحثين من قراءتها، تحليلها، والاعتماد والبناء عليها للوصول إلى شكل أكثر ملائمة للظروف الحالية.

كان للوثائق دور محوريّ في الحروب على مر العصور، حيث كانت القدرة على كتابة ما جرى بيد المنتصر فحسب. ومن هنا منحت الوثائق السرية والمذكرات الفردية المؤرخين إمكانية الاطلاع على رواية أخرى غير رواية المنتصر، وفهم الأمور من زوايا مختلفة - بلسان الضحايا أحيانا. لكنّ التقنيات الحديثة غيّرت هذه المعادلة، وزودّت الجميع بوسائل لتوثيق ما يحدث، إلى درجة كان فيها صوت الضحايا أعلى من صوت الجناة في بعض الأحيان. الأمر الذي يجعل الحفاظ على هذه الأصوات بتنوعها واختلافها أمرًا حيويا ومن سمات بناء ذاكرة المرحلة الراهنة.

التحوّل إلى الأرشفة الرقمية والإلكترونية، مثّل ضرورة أخرى يحكمها كثرة المعلومات التي تحتاج للأرشفة، وإيجاد طرق لحمايتها من التلف والفقدان والسرقة، وضمان ديمومتها، والأهم من ذلك فهرستها لضمان الوصول إليها بالسرعة المواكبة لما شهده العالم، في العقود الأخيرة، من انفجار للمعلومات لا يمكن اللحاق به عبر طرق الأرشفة الورقية القديمة.

وتمثل الحرب في سوريا مثالاً واضحاً على تطور مفهوم الأرشفة، خلال السنوات الاثنتي عشرة الماضية، إذ برزت ضرورات ملحّة ساهم في تشكيلها ومشكلاتها معاً، مجموعة من العوامل والتغيرات. منذ عام 2011 بدأ صحفيون وناشطون و أفراد بنقل ما يحدث، فوجدوا في وسائل التواصل الاجتماعي، حديثة العهد في تلك المرحلة، وعبر تقنيات بسيطة، فرصة لإثبات وتوثيق الانتهاكات اليومية. تنوّعت المشاهد التي نشرها الناشطون على وسائل التواصل الاجتماعي، من لحظات الحياة اليومية والمعيشية، إلى آثار الدمار والتحركات العسكرية وتشييع الضحايا وغيرها الكثير. وسرعان ما نشأت صفحات اختصت بجمع المحتوى البصري والأخبار من مختلف أنحاء سوريا يومًا بيوم، ومثل ذلك تجارب الرصد الأولى ونوعًا من الأرشفة على وسائل التواصل الاجتماعي.

لكن أسبًابًا كثيرة بدأت تهدد هذا المحتوى بالفقد، أبرزها الحذف من قبل وسائل التواصل الاجتماعي نفسها. وهنا أدرك الصحفيون أن قنواتهم وصفحاتهم ليست أراشيف مُعتمَدة، ومن هنا، عاد مفهوم الأرشيف ليحتل مكانه مرّة أخرى كضرورة لحفظ الذاكرة وضمان صون هذه الوحدات الرقمية لسنوات طويلة.

منذ عام 2014 بدأ الأرشيف السوري يأخذ هذا الدور في عملية جمع، حفظ، وصون المحتوى المنشور على المصادر المتاحة عبر الإنترنت، بالإضافة إلى تنظيم هذه الوثائق بعد التحقق منها لتسهيل الوصول إليها واستخدامها لاحقًا.

يتيح الأرشيف السوري المحتوى المحفوظ لديه ليكون موردًا هامًا للباحثين والصحفيين والمدافعين عن حقوق الإنسان، وذلك عبر قواعد البيانات والتحقيقات المنشورة على موقعه الإلكتروني. إضافة إلى الاستجابة للطلبات الخارجية للوصول إلى نسخ محفوظة من وثائق لم تعد متاحة على الإنترنت لاستخدامها ﻷغراض المناصرة، أو المساءلة والمحاسبة.

وفي عام 2018 نشأت نيمنك Mnemonic المنظمة الأم للأرشيف السوري، والتي نتج عنها مشاريع أرشفة في دول صراع أخرى، كاليمن والسودان وأوكرانيا، بالاستفادة من تجربة وأدوات الأرشيف السوري، والبناء عليها وفقًا للسياق الخاص لكل بلد.

كما الأرشيف التقليدي في خطر دائم خلال سنوات الحرب، من التلف والضياع، للأرشيف الرقمي أو الإلكتروني مشكلاته الخاصة في مواجهة سياسات الحذف المتبعة من قبل وسائل التواصل الاجتماعي، والتي زادت وتيرتها منذ عام 2017، وكان من الصعب التعامل معها أو إيقافها، بدخول الذكاء الاصطناعي لمراقبة وتفتيش المحتوى المخالف للسياسات الموضوعة من قبل هذه الوسائل، بغضّ النظر عن سياقات نشر المحتوى المختلفة

في اليوم العالمي للأرشفة، ترتقي مهمة وجود الأرشيف في أماكن الحرب والصراع، إلى شكل من أشكال المقاومة، إذ تأخذ على عاتقها محاولة تسجيل ما يجري ليكون إجابة على أي أسئلة راهنة أو مستقبلية، وعلى الأصعدة كافة، السردية والتأريخية والقضائية.

logo

الأرشيف السوري

الأرشيف السوري هو مشروع مستقل تمامًا، لا يقبل الدعم المالي من الحكومات المتورطة بشكلٍ مباشر في النزاع السوري. نسعى للحصول على التبرعات من الأفراد لنتمكّن من الاستمرار بعملنا. يمكنكم دعمنا عبر صفحة باتريون الخاصة بالمشروع.

تبرّع
Mnemonicالأرشيف السودانيالأرشيف اليمنيukrainian archive
اشترك بقائمتنا البريدية