مقدمة:

منذ 7 أكتوبر 2023، ومع بداية الحرب بين إسرائيل وغزة وتأثيراتها الإقليمية الأوسع نطاقًا، شنّ الجيش الإسرائيلي هجمات جوية ومدفعية على مناطق مختلفة في سوريا. للتحقيق في هذه الحوادث، التي توسّعت وتغيّرت أنماطها وفقًا لفترات زمنية مختلفة، بنى الأرشيف السوريّ قاعدة بيانات تجمع الحوادث المنسوبة لإسرائيل والتي وقعت في سوريا بين 7 أكتوبر 2023 و 31 يناير 2025.

حقق الأرشيف السوري في ثلاث هجمات اسرائيلية بشكل معمق، اختارها وفق طبيعة الهجوم ومكانه:

غارة جوية على مبان في مدينة حمص أسفرت عن مقتل مدنيين، والتأكيد على مبدأ قواعد التناسب والاحتياط.
قصف مبان مدنية تشغلها القوات الحكومية السورية والإيرانية إضافة للميليشيات التابعة لها وحزب الله اللبناني في مدينة حلب، ما يؤكد الانتشار الممنهج لهذه الميليشيات واستيلائها على منازل وعقارات لسوريين، وتحويلها إلى مقرات عسكرية ومخازن أسلحة.
غارات على مبنى تابع للقنصلية الإيرانية في دمشق، والتأكيد على حرمة المقرات الدبلوماسية

التحقيق الأول - غارات على مبان في مدينة حمص

يؤكد التحقيق الأول، الذي تناول ضربة منسوبة لإسرائيل على مبان في مدينة حمص في 7 فبراير 2024، مقتل 9 أشخاص بينهم 6 مدنيين، إضافة لـ 3 مقاتلين اثنان منهما يتبعان لحزب الله ويحملان الجنسية اللبنانية، ووقوع دمار في مبان سكنية بالمدينة.

ويورد تقرير للجنة التحقيق الدولية المستقلة المعنية بالجمهورية العربية السورية، نشر في 9 أكتوبر 2024، أن الهجمات ومنها الهجوم على مبنى سكني في مدينة حمص، وإن بدت موجهة إلى أهداف عسكرية، فإنها تثير مع ذلك القلق بشأن مبدأي التحوط والتناسب بموجب القانون الدولي الإنساني

لقطة شاشة من تقرير لجنة التحقيق الدولية المستقلة المعنية بالجمهورية العربية السورية، التقطها ووضع علامة عليها الأرشيف السوري في 13 أكتوبر 2024.

تحدث التقرير ذاته ضمن النتائج التي توصّل إليها في الفقرة 112 عن أن "القانون الدولي الإنساني يلزم أطراف النزاع المسلح بالنظر في الآثار غير المباشرة المتوقعة بشكل معقول لأي هجوم، وخاصة لأغراض مراعاة قواعد التناسب والاحتياط".

تنص القاعدة 14 من قواعد القانون الدولي الإنساني العرفي للجنة الدولية للصليب الأحمر على مبدأ التناسب، الذي يُقر بأن الهجوم المشروع قد "يُسبب بصورة عارضة خسائر في أرواح المدنيين أو إصابات بينهم، أو أضراراً بالأعيان المدنية، أو مجموعة من هذه الخسائر والأضرار." ومع ذلك، فإنه يحظر أي هجوم يكون "إفراطه واضحاً بالقياس إلى مجمل الميزة العسكرية المتوقعة الملموسة والمباشرة."

أما مبدأ الاحتياطات، المترابط بشكل وثيق مع مبدأ التناسب، والذي نصّت عليه القاعدة 15 من قواعد القانون الدولي الإنساني العرفي للجنة الدولية للصليب الأحمر، فيُلزم بأن "تُتخذ جميع الاحتياطات العملية لتجنب إيقاع خسائر في أرواح المدنيين، أو إصابتهم، أو الإضرار بالأعيان المدنية بصورة عارضة، وتقليلها على أي حال إلى الحد الأدنى."

التحقيق الثاني - غارات على مواقع في ريف حلب

تناول الأرشيف السوري في التحقيق الثاني هجوماً منسوبًا لإسرائيل على مواقع في ريف حلب في 29 مارس 2024، بينها مزارع يدّعى أنه كانت تُشغل آنذاك من قبل جنود ومقاتلين يتبعون للقوات الحكومية السورية أو الميليشيات الإيرانية و حزب الله اللبناني.

نشرت العديد من المواقع الإخبارية ووسائل التواصل الاجتماعي ما يفيد بتمركز هذه الميليشيات في منازل مدنيين أو مزارع أو معامل، دون إخطار أصحابها أو بإجبارهم على تأجيرها. وركز هذا التحقيق على مواقع في حلب كونها الأكثر وضوحاً من جهة، ولأنه يدّعى أنها تضم العدد الأكبر من القواعد الإيرانية أو الميليشيات التابعة لها أو لحزب الله اللبناني مقارنة بمناطق أخرى في سوريا. توضح خريطة لموقع جسور نشرت في يوليو 2023 وجود 117 موقعاً عسكرياً في حلب 58 منها تتبع للحرس الثوري الإيراني، 35 لحزب الله اللبناني، 24 موقعاً مشتركاً بينهما.

خريطة من موقع جسور نشرت في يوليو 2023، تظهر المواقع العسكرية التابعة للحرس الثوري الإيراني وحزب الله اللبناني في سوريا، التقطها الأرشيف السوري في 29 نوفمبر 2024.

تقارير وتحقيقات صحفية تحدثت عن استراتيجية اتّبعتها الميليشيات الإيرانية وحزب الله اللبناني في استملاك واستئجار منازل ومواقع سورية، لتمويه وجودها والتخفي بين المدنيين والتنقل بينها من جهة أو لتحويلها إلى مستودعات للأسلحة من جهة أخرى. وادّعي أن هذه الاستراتيجية تمثلت بعمليات من الترغيب والترهيب أو الخداع والتزوير، بدفع مبالغ مالية كبيرة لأصحابها، أو إجبارهم من قبل عناصر مخابرات يتبعون للقوات الحكومية السورية على تأجيرها دون علم أصحاب المنازل؛ عبر وكلاء و وسطاء عقاريين. حوّل ذلك مناطق في سوريا إلى مربّعات أمنية، قدّمت ذريعة لدول إقليمية، لا سيما إسرائيل لقصفها، ما أثار خوف السكان وقلقهم ودفعهم إلى رفض تأجير منازلهم، إن استطاعوا ذلك.

وتنص القاعدة 23 من قواعد اللجنة الدولية للصليب الأحمر بشأن القانون الدولي الإنساني العرفي على ما يلي: "يجب على كل طرف في النزاع، قدر الإمكان، تجنب وضع الأهداف العسكرية داخل المناطق المأهولة بالسكان أو بالقرب منها". ويقدم دليل اللجنة الدولية للصليب الأحمر المعنون "الحد من الأضرار التي تلحق بالمدنيين في حرب المدن: دليل للجماعات المسلحة" إرشادات عملية. ويوجه الدليل الجماعات المسلحة بوضوح لتجنب وضع أهداف عسكرية في المناطق المأهولة بالسكان لمنع وقوع أضرار غير ضرورية". كما يتم "التأكيد على حماية البنية التحتية المدنية، مما يتطلب من القادة تحديد مواقع عسكرية بعيدة عن المدنيين". ويحظر الكتيب أيضاً "إجبار المدنيين على البقاء في مناطق النزاع أو استخدامهم كدروع بشرية".

ونقل المرصد السوري لحقوق الإنسان في تقرير نشره على موقعه الإلكتروني بتاريخ 1 مايو 2024 أن "الوجود الإيراني في سورية تسبب باستباحة أرض وسماء سورية من قبل القوى الدولية والإقليمية لاسيما إسرائيل وضرب أي نقطة يشاؤون بكافة صنوف الأسلحة دون أي اعتبار لتحييد المدنيين والمخاطر الناجمة عن ذلك".

تظهر بيانات الأرشيف السوري أنه من بين 274 حادثة يدعى مسؤولية القوات الإسرائيلية عنها بين 7 أكتوبر 2023 و 7 ديسمبر 2024، طال القصف 88 موقعاً يدعى وجود قوات تابعة للميليشيات الإيرانية أو العراقية التابعة لها أو لحزب الله اللبناني فيها، توزّعت على مدينة دمشق وريفها (44 موقعاً)، حمص (31 موقعا)، دير الزور (6 مواقع)، حلب (6 مواقع)، طرطوس (موقع واحد).

مخطط بياني لمواقع يدعى أنها لميليشيات إيرانية أو لحزب الله تعرّضت لهجمات بين 7 أكتوبر 2023 و7 ديسمبر 2024 -المصدر: قاعدة بيانات الأرشيف السوري

التحقيق الثالث -غارة جوية على القنصلية الإيرانية بدمشق

تناول الأرشيف السوري في التحقيق الثالث الهجوم على مبنى يضم القنصلية الإيرانية بدمشق، في 1 نيسان 2024، ويشغل طوابق منه مدنيون مستأجِرون، إضافة لمنزل السفير الإيراني.

اتّهم حساب "السفارة الإيرانية -سورية" على منصة X، وحساب وزارة الخارجية الإيرانية على X، و موقع "الجمهورية الإسلامية الإيرانية وزارة الشؤون الخارجية" الرسمي، القوات الإسرائيلية بقصف القسم القنصلي ومنزل السفير الإيراني بدمشق. ووصف وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان الهجوم على القنصلية الإيرانية في دمشق بـ "جريمة حرب".

وفد إيران لدى الأمم المتحدة وجّه رسالة إلى الرئيس الدّوري لمجلس الأمن، وللأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، عقب الهجوم. أوضحت أن "الهجمات تشكل انتهاكاً سافراً لميثاق الأمم المتحدة والقوانين الدولية، والمبدأ الأساسي لحصانة الأماكن الدبلوماسية والقنصلية، كما هو منصوص عليه في معاهدة العلاقات الدبلوماسية لعام 1961، واتفاقية فيينا للعلاقات القنصلية لعام 1963، وكذلك اتفاقية المعاقبة على الجرائم المرتكبة ضد الأشخاص المشمولين بالحماية الدولية، بما في ذلك الموظفون الدبلوماسيون، لعام 1973".

بشكل أكثر تحديدا، تنصّ المادة 22 من اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية عام 1961 على "تتمتع مباني البعثة بالحرمة"، وفي المادة 30 "يتمتع المسكن الخاص للممثل الدبلوماسي بنفس الحرمة والحماية اللتين تتمتع بهما مباني البعثة".

اعتبر محللون في تقرير نشره موقع 180 post الإعلامي الهجوم على القنصلية الإيرانية خرقاً فاضحاً للقانون الدولي الإنساني وأنه يرقى إلى مصاف "جريمة حرب".

جامعة الدول العربية أدانت الهجوم على القنصلية واعتبرته خرقاً خطيراً للقانون الدولي. كذلك أدان الهجوم كل من دولة الكويت، سلطنة عمان، الإمارات العربية المتحدة، قطر، السعودية، العراق، باكستان، اندونيسيا، ماليزيا، كوبا، و فنزويلا وعدّه قسم منهم انتهاكًا للاتفاقيات والمواثيق الدولية والأعراف الدبلوماسية. كما أدان الاتحاد الأوروبي الهجوم، وقال إنه يتعين احترام حصانة المباني والشخصيات الدبلوماسية والقنصلية.

خالد خياري مساعد الأمين العام للأمم المتحدة لشؤون الشرق الأوسط وآسيا والمحيط الهادئ، شدد على ضرورة احترام حرمة المواقع الدبلوماسية والقنصلية وموظفيها في كل الحالات. وعقد مجلس الأمن الدولي جلسة لمناقشة بيان أعدته روسيا لإدانة الهجوم، وعارضت الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا البيان.

خاتمة:

منذ بداية حرب غزة في 7 أكتوبر 2023 والنزاعات الإقليمية ذات الصلة، وثّق الأرشيف السوري 460 حادثة مزعومة نُسبت للجيش الإسرائيلي وأثرت على مواقع عسكرية ومدنية في جميع أنحاء سوريا.

يمكن الاطلاع على قاعدة بيانات الهجمات المنسوبة لإسرائيل على سوريا كاملة من خلال اختيار قاعدة البيانات في أرشيفنا والمتاحة عبر الرابط.

كما يمكن قراءة التحقيقات المفصلة للهجمات الثلاث من خلال الروابط أدناه.

تحديث:

في تموز 2025، نشر الأرشيف السوري تحديثًا لقاعدة بيانات الهجمات الإسرائيلية لتشمل الحوادث الواقعة ما بين فبراير و مايو 2025. يمكن الاطلاع على ملخص الهجمات المُدخلة حديثًا وفقًا للشهر، موقع التأثير، النوع والقتلى من خلال الرابط التالي.

.css-68jq5d{padding-bottom:1.45rem;color:#ffffff;-webkit-transition:0.25s;transition:0.25s;}.css-68jq5d:hover{-webkit-text-decoration:underline;text-decoration:underline;}التحقيقات

منذ حرب غزة.. مئات الهجمات الإسرائيلية على سوريا

جدول المحتويات

التحقيقات